المنتدى الإسلامي العام يحوي قصص وروايات ومواضيع دينية نصية |
!~ آخـر 10 مواضيع ~!
|
|
إضغط على
![]() ![]() |
![]() |
|
أدوات الموضوع |
5.00 من 5
عدد المصوتين: 1
|
انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||||
|
||||||
فضل العلم وعواقب الجهل ![]() انظر إلى علمائنا كـ ابن جرير الطبري (دخل عليه أحد أصحابه وهو يجود بنفسه -أي: يحتضر- فسأله - ابن جرير عن مسألة في المواريث- فقال: أفي هذا الحال -يعني: وأنت تحتضر- قال: أخرج من الدنيا وأنا عالم بها خيرٌ لي من أفارقها وأنا جاهلٌ بها). فإنك لأن تلقى الله عز وجل بمعرفة هذا خيرٌ لك من أن تلقاه جاهلاً بها. فربنا سبحانه وتعالى ذكر العلم، فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} [النمل:15]، العلماء يقولون: النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق، وفي سياق النفي تفيد العموم. قوله: (ولقد): تحقيق، واللام للتأكيد، و (قد) دخلت على الفعل الماضي، {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} [النمل:15]، فيها أي أداة نفي؟ هذه الجملة مثبتة، والنكرة في الآية؟ (علماً) الاسم عموماً، الاسم الخالي من الألف واللام. إذا دخلت الألف واللام على الاسم يبقى معرفة، تقول مثلاً: (علم) نكرة، (العلم): صار معرفة، أي: معرفاً بالألف واللام. فهذه النكرة -التي هي (علماً) - جاءت في سياق الإثبات فأفادت الإطلاق، أي: علم يشمل جزئيات كثيرة؛ لأن الرجل ملك الجن والإنس والطير، {وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل:16] إذاً: (كل شيء) لا بد أن يكون عالماً بكل ما أوتي، فهذا يكون معنى كلمة (علم)، هذه النكرة التي جاءت في سياق الإثبات: {وَلَقَدْ آتَيْنَا} [النمل:15]، وهذا يدل على أن هذا من فضل الله، هو الذي آتى داود وسليمان: {وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [النمل:15]، فدوام النعمة إنما يكون بدوام الشكر عليها، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]. وانظر إلى الأعرابي الجاهل: ذات مرة لدغته حية -والإنسان لابد أن يحمد ربه على كل شيء، حتى على المكروه، فإذا لدغته حية عليه أن يقول: الحمد لله- فقال: الحمد لله. فقام أحدهم وقال له: ((لئن شكرتم لأزيدنكم)) قال: لا شكراً، لا شكراً. فهو إذا شكر ستلدغه مرة أخرى، فهو فهم معنى: (لأزيدنكم) أي: من لدغ الحيات، وقال: لا أريد أكثر من هذا فهذا جاهل، والذي قرأ له الآية جاهل كذلك، وأنت تعلم أن الكلام الحق إذا وضع في غير موضعه صار قبيحاً، فما بالك في القبح إذا كان في موضعه. كإنسان -مثلاً- كان مقرئاً للقرآن، وكان يأخذ في الربع أو في الثلاثة أرباع أربعمائة جنيه -وهذا الكلام كان في سنة ستة وسبعين تقريباً- فكانت الأربعمائة جنيه تساوي مثلاً الآن أربعة آلاف، وإذا قلت: أربعة آلاف فليست مبالغةً، لأن السعر كل يوم يتغير، وليس كل شهر أو كل سنة. فكان يأخذ أربعمائة جنيه في المرة الواحدة، فأحدهم اعترض على ذلك فقال له: الله يقول: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة:41]، أي: خذ ما تقدر من فلوس؛ لأنك كلما أخذت كثيراً فأنت توقر كلام الله. فهو عندما يضع الآية في مثل هذا الموضع تنظر إلى قبح هذا الاستدلال، وهو لو بذل الدنيا كلها لشطر آية لكان قد اشترى بكلام الله ثمناً قليلاً فما هي الدنيا أمام كلمة من كلام الله؟ تساوي ماذا؟! كذلك لو قال لك شخص: أنت ذاهب إلى أين؟ تقول: أنا ذاهب للجامع. يقول: قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4]، المعنى هكذا. مع أنه كلام الله. أو {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء:43] مثلما قال أبو نواس: ما قال ربك ويل للأولى سكروا وإنما قال ويل للمصلينا وهو فعلاً قال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] لكنه نزع الكلام من السياق وحرفة. فالقصد: أن الكلام قد يكون في نفسه جميلاً، لكنه إذا وضع في موضعه، فمن تمام حق الله عليك أن تذكره في النعم، وهذا ما فعله داود وسليمان: {وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا} [النمل:15]. أصل العلم خشية الله ![]() إن من أفضل ما يميز به أهل العلم قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. وهذه الآية من أفضل الآيات في تزكية أهل العلم، كفى بالاغترار بمعصية الله جهداً، وكفى بالوقوف عند حدوده علماً، إنما العلم الخشية، وليس العلم بكثرة المسائل، كما يقول مالك: أن يكون عندك العلم الكثير حتى تفتي وتتكلم في كل مسألة لا، ليس هذا هو العلم (إنما العلم الخشية). فإذا ورثك العلم الخشية فاعلم أن علمك ينفعك، وإلا فلا تزداد به إلا سفالاً؛ لأن الله يقيم الحجة به عليك: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]، فكلما خشيت ربك كان أفضل لك، فإن الخوف من الله ممدوح، قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]، ما هو مقام الله؟ كقول الله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد:33]. إذاً: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [الرحمن:46] أي: ولمن خاف قيام الله عليه، ونظره إليه، ومراقبته له. فمقام الله: قيامه على العبد، وأن العبد لا يغيب عنه طرفة عين، فيا له من عبد! كيف هان نظر الله عليه، وتوارى عن عباد الله وهو يفعل المعصية، وهم لا يملكون له موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، ولا يملكون له نفعاً ولا ضراً؟! كيف هان عليه نظر الله؟! إذاً: من أجل ما يورثه العلم لصاحبه: أنه يخشى الله، فإذا خشيه تمت له السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة. العلم هو العاصم من الأهواء ![]() الهوى له مركبان: من ركب واحداً منهما هوى: الجهل والمال، فأي أحد يركب مركب من هذين ولا يستضيء بنور العلم هوى، فتخيل الرجل الجاهل الذي لا يعرف الله ومعه مال كثير فما الذي تتصوره أن يفعل هذا الرجل بالمال؟ سيركب كل شهوةٍ يشتهيها. إذاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (فسلطه على هلكته في الحق) كلمة (الحق) لا يعطيها له إلا العلم، أي: في حق المال، ما هو حق المال؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أبو كبشة الأنماري عند الترمذي وأحمد وابن ماجة: (إنما الدنيا لأربعة نفر) فأي شخص في هذه الدنيا فهو من هؤلاء الأربعة، فأنت نفسك بأمانة: أي واحد من هؤلاء الأربعة أنت؟ ولا تخدع نفسك: (إنما الدنيا لأربعة نفر: رجل آتاه الله علماً ومالاً، فهو يتق الله فيه، يصل به رحمهُ، ويضع لله فيه حقه، فهذا بأفضل المنازل. ورجلٌ آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو أن لي كفلان لعملت بعمله. فهو ونيته؛ فهما في الأجر سواء. ورجلٌ آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله، لا يرعى لله فيه حقه، ولا يصل به رحمهُ؛ فهذا بأخبث المنازل. ورجلٌ لم يؤته الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي كفلان لعملت بعمله. فهو ونيته؛ فهما في الوزر سواء) عالم غني، عالم فقير، غني جاهل، فقير جاهل، ومرد الثاني والرابع للأول والثالث. إذاً: الناس قسمان على الحقيقة: تابعٌ، ومتبوع، مجتهدٌ ومقلد. التابع: العالم الغني، والغني الجاهل. والمتبوع: العالم الفقير، والفقير الجاهل. فوظيفة المال يصل به رحمه، ويضع لله فيه حقه. وأيضاً من حق المال ووظيفته: قوله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله: ابن آدم: مالي مالي! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا -هذه وظيفة المال- ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت). هذه وظيفة المال: إما أنك تأكل، وإما أنك تلبس، أو أنك تتصدق، فإذا أكلت فإلى المجاري، وإذا لبست فإلى البلى، وإذا تصدقت بقيت لك، وهل يستطيع الرجل أن يتصدق إلا إذا كان عالماً موقناً بفضل الصدقة، وإلا فإن الإنسان أصله شحيح، فلو تصدق لتصدق على خلاف هواه، ولا يستطيع رجل أن يخالف الهوى إلا بعلم، فرجعت الفضيلة إلى العلم، وأنه لا يستطيع أن يغلب شيطانه، وهو يقول له: تنفق المال وتذر ورثتك فقراء؟! فيحمله ذلك على الشح، كما ورد في بعض الأحاديث الذي يقويها بعض أهل العلم: (الولد مبخلةٌ مجبنة) أي: ولدك يحملك على البخل، تتمنى أن تتصدق، تتمنى -مثلاً- أن تنفق على الناس؛ فيحملك ولدك على البخل، تقول: بدل ما أنفق على الناس ولدي أولى؛ فلا تتصدق لأجل الولد. فإذا دعيت إلى قتال فيهرب المرء لماذا؟ لأنه سيقتل وييتم أولاده، فيحمله ذلك على الجبن. إذاً: رجعت الفضيلة في الأخير إلى العلم، وأن العلم هو العاصم من الهوى. وحسبك أيضاً شرفاً للعلم: أن الذين دخلوا النار دخلوها بسبب الجهل، قال تعالى على لسان هؤلاء: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10 - 11]. وأصل العلم: السمع والعقل، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. إذاً: أصل العلم: السمع، والعقل، والفهم. والسمع في القرآن يطلب على ثلاثة معانٍ: 1 - سمع إدراك. 2 - وسمع فهم. 3 - وسمع استجابة. فسمع الإدراك: كقول الله تبارك وتعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1]، قالت عائشة رضي الله عنها فيما رواه أحمد وغيره بسند صحيح: (سبحان من وسع سمعه الأصوات). وسمع الفهم: كقول الله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال:23] وإلا فإن المشركين يسمعون الصوت ولكن لا يفقهون {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} [البقرة:171]، فاستوى الكافر مع سائر الأنعام في الدنيا؛ فإن الراعي إذا نادى الغنم سمعته، وإذا نادى البهيمة سمعته؛ ولكنها لا تعقل ما يقول الراعي. فالله عز وجل يحكي حال الذين كفروا في حال استماعهم للقرآن، وعدم فهمهم لحجج الله عز وجل، كمثل راعي غنم ينادي على الغنم، فالغنم تسمع الصوت ولا تفهم ما يقول الراعي، وهؤلاء الكفار يسمعون الصوت ولا يفهمون حجج القرآن؛ فهم كالأنعام. فالله عز وجل يقول: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال:23] مع أن حجة الله قامت على المشركين بسماع القرآن. إذاً: سمعوا سماع الآلة -أي: سماع الأذن- ولكنهم لم يفهموا فهم القلب، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال:23] أي: لأفهمهم، وفهموا عن الله عز وجل ما أراده منهم. أما سمع الاستجابة، فمثل قول الله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة:47] أي: مستجيبون، وقال الله حاكياً عن اليهود: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} [المائدة:41]، أي: يستمعون الكذب فيستجيبون له، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع) لأنه ليس كل ما سمع يكون كله صدقاً، بل يكون كذب، فإذا نقل كل ما سمع تعرض لنقل الكذب، وإن لم يكن معتقداً له، لكنه ترك بنقل الكذب، بل إن العبد إذا كان جاهلاً فكثير من الحيوانات أفضل منه؛ فإن في الحيوانات من هو أكثر أكلاً منه، وأشد بطشاً، وأسرع عدواً، وأكثر جِماعاً وأولاداً، إنما فُضّل الإنسان على الحيوان بالعلم، فإذا فقد العلم فاقته كثير من الحيوانات واستوى مع الحيوانات في مثل هذه الصفات البهيمية، وليس هذا كلامي، وإنما هو كلام الله عز وجل: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال:22 - 23] أي: لأفهمهم. العلم قاضٍ على كل شيء ![]() ومن شرف العلم: أن العلم قاضٍ على كل شيء في الدنيا: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [يونس:68]، وكل سلطان ورد في القرآن إنما هو سلطان الحجة: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس:68] هل عندكم حجة بهذا؛ بأن لله ولد؟ والحجة هي: حجة العلم. وقال تعالى في مجادلة يوسف عليه السلام لصاحبي السجن: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف:40] أي: ليس عندكم حجة تستطيعون أن تقيموا بها قولكم أن مع الله آلهة أخرى؛ فالسلطان في القرآن هو الحجة، إلا في قوله تعالى: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:29] فلأهل العلم فيها قولان: القول الأول: الناس والحكم والجاه. القول الثاني: العلم. فقوله: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:29] أي: انقطعت حجتي أمام الله، أو زال مالي وجاهي. فالعلم قاضٍ على كل شيء، وقد تنازع العلماء أيهما أفضل: مداد العلماء، أم دم الشهداء؟ وفي هذه المفاضلة دلالة على تفضيل العلم أيضاً؛ فإن قلت: من أي وجه؟ نقول: لأنه سيقضي على أحد الخصمين العلم: فإذا قلت: دم الشهداء؛ فلا بد أن يكون عندك علم. وإذا قلت: مداد العلماء؛ فلا بد أن يكون عندك علم، فالعلم هو القاضي والخصم. فإن قلت: فكيف يكون العلم خصماً، والأصل أن الخصم لا يكون حكماً؟ فنقول: هذا شرف أيضاً لمرتبة العلم؛ لأنه لماذا لم يُجعل الخصم حكماً؟ لأنه سيميل إلى انتصار نفسه، والنبي عليه الصلاة والسلام قد قال: (لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان)،لماذا؟ لأنه إذا قضى وهو غضبان قلت مواهبه، وسيميل مع حض نفسه أو مع هواه، ولكن إذا أمن القاضي على نفسه أنه لن يحيف أو يجور وهو غضبان حل له أن يقضي وهو غضبان، وليس هذا إلا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كان يكتب ما يقوله النبي عليه الصلاة والسلام، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فأمسك عبد الله عن الكتابة فقال له: (لم لا تكتب؟ قال: يا رسول الله! أنت غضبان. قال: اكتب، فوالذي بعثني بالحق -أو والذي نفسي بيده- ما أقول إلا حقاً) فاستوى غضبه ورضاه في الحكم؛ لأنه لا يحيف إذا غضب، إنما يحيف أمثالنا. لذلك يُنهى جميع الناس بدءاً من أبي بكر الصديق إلى أقل الناس أن يقضي بين اثنين وهو غضبان، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن غضبه يستوي مع رضاه؛ لأن مظنة الحيف في الحكم منتفية عنه، فإذا كان العلم هو الخصم والقاضي كان ذلك أرفع لرتبة العلم؛ فالعلم قاضٍ على الممالك، وقاضٍ على الناس جميعاً، والناس مقبورون تحت سلطان العلم أكثر من سلطان الأمراء، فإن العلم ينقاد له القلب، أما سلطان اليد فينقاد له البدن. فهل كل قرارٍ أصدره أمير أو حاكم رضيت عنه الرعية؟ كثير من الناس ينفذون الأوامر وهم كارهون، ويدعون على الذي سن هذا القانون، ويلعنونه في الصلوات وفي الجهر والسر، فهم ينقادون له عنوة، بخلاف العالم؛ فإنه إذا بسط حجته انقاد القلب له، والقلب ملك البدن، فإذا انقاد القلب انقادت الجوارح تبعاً لانقياد القلب، مع الفرق الهائل بين هذا الانقياد والانقياد لسلطان الأمير.
![]() ........ يتبع بفضل الله ________________ التعديل الأخير تم بواسطة همسات مسلمة ; 10-26-2011 الساعة 09:57 PM |
2 أعضاء قالوا شكراً لـ ILL على المشاركة المفيدة: |
![]() |
رقم المشاركة : 2 |
![]() ![]()
شكراً: 0
تم شكره 585 مرة في 210 مشاركة
|
![]() فضل العلم على المال ![]() العلم ممدوح بكل لسان، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين، رجلٌ آتاه الله القرآن -وفي رواية: العلم، وفي رواية: الحكمة، وهذه الروايات كلها يفسر بعضها بعضاً- فهو يعلمه للناس، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق)، فقدم العلم على المال، كما قدم الله العلم على الملك، لما ذكر ما وهبه لسليمان عليه السلام، إذ لا يتم الملك إلا بعلم. وقوله: (لا حسد) أي: لو جاز لأحدٍ أن يحسد أحداً لكان ينبغي له أن يحسد أحد رجلين: إما رجلٌ آتاه الله العلم، ويرحم الله الإمام أحمد حين كان يقول وهو يشير إلى تفضيل العلماء: (بيننا وبينكم شهود الجنائز). انظروا إلى جنازة أكبر عالم، وإلى جنازة أكبر غني؛ فسترون الفرق هائلاً! فكل الناس يقولون عن الغني: ماذا عمل؟ مسكين! انظروا إلى الفلل التي تركها، والأموال، والضياع هل أخذ معه شيئاً؟ لا يدوم إلا الله، ويتكلمون على الزهد في الدنيا، وأن الرجل مضى ولم يأخذ شيئاً، لكن هل قال واحدٌ منهم: يرحمه الله، أو رضي الله عنه؟ لا، لماذا؟ لأنه كان يحرم الناس من رفده، وعطائه، جمع ماله للورثة. لكن انظر إلى الناس في جنازة العالم! يبكون عليه ويحزنون، وليس بينه وبينهم أي نسب ولا أعمال، وما كان بينهم إلا ما تعدى العالم إليه وهو العلم، وإذا ذكروه ترضوا عنه وعن والديه. فإن جاز لك أن تغبط رجلاً فلا تكن سافل الهمة، فتقول: ليت أن معي كفلان محلات وو لا، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، فقد صيرك المال خادماً، وصيرك العلم سيداً. العلم يحرسك من الشبهات التي يلقيها أعداء الله، ومن الكفر الذي يزينه أعداء الله، فكلما وردت عليك شبهة كفر، أو شبهة وسواس صد العلم عنك وعن قلبك، لكن المال أنت تحرسه، لا تنام عينك خشية اللصوص، ولأنك تريد الازدياد منه، كل لحظة يقوم من الليل يعد الفلوس ويرتبها ويفعل ذلك مرات، إذاً: هناك متعة عنده في مسألة عد الفلوس. وهكذا يضيع عمره في مثل هذا؛ فصار خادماً، والمال عبد جيد لكنه سيد رديء: (عبد جيد) كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (ورجلٌ آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق) أنت السيد، ومعك المال، تنفق المال يمنةً ويسره، إذاً: أنت السيد وهو العبد لأنك عندما تنفقه لا يعترض عليك، ولا يقول لك: لم وضعتني في هذا الموضع؟ إذاً: إذا صار المال عبداً صار عبداً جيداً؛ لأنك ستصل به الرحم، وتفرج به الكروب، وتبني به المدارس والمستشفيات، وترصف الطرق إلى آخره من أعمال البر والخير المباحة. لكنه إذا استحوذ على صاحبه كان سيداً سيئاً رديئاً. فأولى الناس بالغبطة بالحسد هذان: (رجلٌ آتاه الله العلم، فهو يقضي به، أو يعلمه آناء الليل وأطراف النهار، ورجلٌ آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق). وقوله عليه الصلاة والسلام: (في الحق) قيد ضروري لا يأتي إلا بالعلم، فالله سبحانه وتعالى لما قال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] سماه أحسن القصص؛ لأنه وصفه بالحق: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [الكهف:13]، فهذا القيد ضروري في إنفاق المال. هذا القيد: (ورجلٌ آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته) ولم يقل: (في الحق). وصايا لطلاب العلم القاعدة الأولى التي تقوم عليها هذه العبادة الجليلة، وهي: عبادة العلم: الإخلاص لله سبحانه وتعالى:- أن نتجه إلى الله بقلوبٍ ليس فيها أحدٌ سواه، فيأخذ طالب العلم هذا النور وهذه الرحمة وقلبه يريد ما عند الله جل جلاله، يأخذ هذا النور وهو يرجو رحمة الله في كل كلمةٍ يسمعها ويقولها، فتكون أشجانُه وأحزانُه لله جل جلاله، فلا يزال بهذا الإخلاص تخطو به في صحيفة عمله الحسنات، ويستوجب بها عند الله رِفْعة الدرجات.![]() الإخلاص لله سبحانه وتعالى ![]() الإخلاص الذي رفع الله به شأن العلماء، وجعل عبادتهم بريئة من غير الله عز وجل، وهو السر الذي فضَّل الله به سلف هذه الأمة على خَلَفها، ولذلك قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بل إخلاص الدين لله هو: الدين الذي لا يقبل الله سواه. فلا قبول لهذا العلم، ولا قبول للتعلم والتعليم إلا إذا أراد الإنسان وجه الله الكريم. فتح الأسماع والقلوب للعلم ![]() الوصية الثانية: أن نفتح لهذا العلم أسماعنا وقلوبنا، وأن نحس أن هذه الأسماع -حقيقةً- تتشرف وتتكرم بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:- أن ينطلق طالب العلم وهو يشتعل قلبه شوقاً لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فيفتح قلبه وقالَبه لماء الوحي، حتى إذا نزل ذلك الماء على ذلك القلب كان كالغيث الطيب على الأرض الطيبة؛ وما من إنسان يُعطِي العلم سمعه وقلبه، إلا نفعه الله بهذا العلم، ولذلك كانت أول وصيةٍ من الله لموسى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه:13]. وأن نستمع للعلم، وأن يكون عندنا الشوق والتلهف إلى مجالس العلماء، وإلى حِلَقِ العلماء، وأن ننطلق إلى رياض الجنة ننافس فيها إخواننا، ونسابق فيها خلاننا، حتى نكون على أفضل ما يكون عليه المجد في طاعة الله عز وجل. إن هذا العلم رحمةٌ من الله عز وجل، وكلما ازداد الإنسان من هذه الرحمة رفع الله قدره، وأجلَّ مكانه، وأعلى ذكره. وأن نفتح لهذا العلم أسماعنا، وأن نفتح له قلوبنا، وكان بعض السلف يقول: [من استمع للعلم وأعطاه قلبه، فإن الله ينفعه لا محالة بهذا الاستماع للعلم]. وأن نفتح لهذا العلم كل جوارحنا. فإذا وفق الله طالب العلم لكي يكون عنده الشوق إلى مجالس الذِكر ومجالس العلماء ورياض العلماء؛ فإنه لا يلبث بعد فترة حتى يجمع خيراً كثيراً. ترجمة العلم إلى الواقع ![]() الوصية الثالثة: أن يُتَرْجِم هذا العلم للواقع:- أن يخرجه الإنسان من قرارة القلب إلى القالَب، أن نخرج الأقوال والهدي الذي نسمعه إلى الواقع، فبعد أن يتأثر طالب العلم بالوحي، ويسكن في قرارة قلبه يستمسك به، ويطبقه، ويلتزمه، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزخرف:43] قال: استمسك، ولم يقل له: أمْسِك، وإنما قال له: استمسك؛ فالاستمساك بهذا الدين: إذا تعلم طالب العلم سنة أو حكمة تمسك بها، وعمل بها، وأشهد الله على أنه من أهلها؛ فإذا سمعتَ حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى سنة أو يدعو إلى خيرٍ وهدى؛ فكن عاملاً بذلك العلم، كن مطبقاً له، تترجمه على جوارحك، ولذلك إذا وفق الله طلاب العلم إلى العمل بعد العلم، جعلهم قدوة، قال الله في كتابه عن علماء بني إسرائيل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. ترجمة العلم إلى الجوارح فيه حياة العلم، وكم من سننٍ حيت لما خرج طلاب العلم، فنشروها أمام الأمة بلسانٍ يذكرُ الله وجوارح تترسم هدي الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، تطبيقُ العلم وترجمتُه بالعمل، وإخراجِه إلى الواقع حتى تراه الناس، فحينما تراك ترى السنن في أقوالك، وترى السنن في أفعالك، فبعض طلاب العلم إذا رأيته تذكرت هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن طلاب العلم من شرح الله صدره للعلم والعمل، حتى إذا رأيته ذكرت الله، إذا رأيته قد عمل بما عَلِم. الصبر والتحمل واحتساب الأجر ![]() الوصية الرابعة والأخيرة التي أختم بها هذه الكلمة هي: الصبر والتحمل واحتساب الأجر: طالب العلم يعامل الله، والمعاملة مع الله فيها ابتلاء واختبار وامتحان، ولا بد لطالب العلم أن يَجِدَ الشدائد، وأن يَجِدَ المحن، وأن يَجِدَ من يثبطه ومن يخذِّله. فأول صبرٍ يُوصَى به طالب العلم: الصبر على وساوس الشيطان: فإن الشيطان لن يدع لطالب العلم باب خيرٍ يطرقه إلا وجاءه من كل حدبٍ وصوبٍ حتى لا يَبْلُغَه، لا يمكن أن يترك طالب العلم وأن يُخَلِّي بينه وبين الخير؛ لأن الله عز وجل أخبر أن المؤمن مبتلىً، ودرجة طالب العلم فوق درجة المؤمنٍ العامِّي، فلا بد أن يكون مبتلىً، تعيش مع نفسك في الوساوس، فأول ما يأتي الشيطان للإنسان يخذِّله، يقول له: مَن أنت؟! من أنت حتى تطلب العلم؟! فلستَ بعالم، ولا أبوك بعالم، ولستَ من بيت علم، حتى يخذِّله عدو الله، ويجعلَ في قلبه اليأس من رحمة الله، والقنوط من روح الله. فما على طالب العلم إلا أن يُحسن الظن بالله، وأن يقول: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54]. فمَن فهَّم سليمان وعلَّم داوُد قادرٌ على أن يفهِّمك ويعلِّمك؛ فأحسِن الظن بالله جل جلاله، وكم من طلاب علمٍ كانوا على جاهلية وبُعْدٍ من الله تبارك وتعالى؛ ولكنهم أحسنوا الظن بالله! فما مضت الأيام ولا انقضت الأعوام إلا وهم أئمة هدى، ومشاعل خيرٍ وحب لله ورضا، فأحسِن الظن بالله جل جلاله، وكن قوي العزيمة على طاعة الله، وقد تأتيك المحن التي تحتاج إلى الصبر في أهلك وذويك؛ فتجد من يخذِّلك عن طلب العلم، ويجعل العوائق بينك وبين طلب العلم من حاجات الناس، وحاجات الأهل وأغراضهم، فاستعن بالله، فإنه نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ. لا بد من الامتحان والاختبار حتى في طلب العلم، ولا يزال طالب العلم يُبتلَى ويمتحَن، حتى أنه يبتلَى وهو في مجلس العلم، ويُختبَر حتى في العلم الذي يتعلمه، ولذلك إذا نظرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجدته من أول لحظةٍ في الوحي إلى آخر لحظةً من الدنيا وهو يتقلب في البلاء صلوات الله وسلامه عليه. فأول لحظةٍ في الوحي: أخَذَه جبريل فغَطَّه حتى رأى الموت. وآخر لحظةٍ من الدنيا قال فيها: (آه! إن للموت لسكرات). فلا بد من البلاء، ولا بد من الامتحان، ولذلك حكمةٌ من الله عز وجل أنه جعل الدنيا دار بلاءٍ وعناءٍ وعِنَّةٍ على المؤمن؛ ولكن هذا البلاء رفعةٌ للدرجات، وتكفيرٌ للسيئات، ومضاعفةٌ للأجور والحسنات، وكم من إنسانٍ صُبَّ عليه البلاء فأمسى يوم أمسى وصحيفته مملوءةٌ بأجورٍ لا يجدها بكثير صلاةٍ ولا صيام. فاصبر على طلب العلم واحتسب البلاء الذي تجده، واحتسب عند الله ما يقال عليكَ أو يقال لك، فقد يُبْتَلى الإنسان حتى بمدح الناس وَثنائهم، فإن الجاه والسمعة والشهرة قد تقتل الإنسان من حيث لا يدري، فما على الإنسان إلا أن يجاهد ويحتسب عند الله عز وجل أن يثبته وأن يوفقه. ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم أئمة هدى، هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. إن العلم مسئوليةٌ عظيمة، وواللهِ ما من جماعةٍ انفردوا بهذا العلم وأخذوا على أنفسهم أن يكونوا طلاب علم إلا تحملوا المسئولية بين يدي الله عن ذلك، ولذلك كل طالب علمٍ دخل إلى جامعة، أو جلس في حلقة، أو لازمَ شيخاً فليعلم أنه بمجرد دخوله وبمجرد ملازمته قد وَضَع قدمه على عتبة المسئولية بين يدي الله جل جلاله، وأنه سيحمل على ظهره أمانة يُوقف بها بين يدي الله، إما أن تشقيه وإما أن تسعده وترضيه. فاعلموا إخواني أن التخصص في العلم وحل هذه الحِكَم من الكتاب والسنة ما هي إلا حجج تكون للإنسان أو على الإنسان. جاء بعض السلف إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكان يسألها المسائل، فقالت له يوماً من الأيام: [أَيْ بُنَي، أَكُلَّ ما عَلِمْتَه عَمِلْتَ به؟! فقال: يا أماه، إني مُقصر. وجلس يشتكي من تقصيره، فقالت له: يا بُنَي! لِمَ تستكثر من حُجَج الله عليك؟!]. فينبغي لنا أن نستشعر أن هذا العلم الذي نتعلمه حُجَجٌ لله علينا، وأن وراءنا أمم تنتظر هذا الوحي بفارغ الصبر، وراءك أهلُك ينتظرون هذا العلم الذي تتعلمه، وراءك حيُّك ينتظر هذا العلم الذي تتعلمه، وراءك أهلُ بلدتك وعشيرتك ينتظرون هذا العلم الذي تتعلمه، فاتقِ الله فيما تعلمتَ، وكن غيوراً على هذا الدين، وبُث الحِكَم من كتاب الله وسنة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين. فاحتسبوا -إخواني- الأجر عند الله، واعلموا أن هذا العلم لا يُراد به الدنيا، وإنما يُراد به ما عند الله، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله لينال به عرضاً من الدنيا لم يرِح رائحة الجنة). اللهم إن نسألك الإخلاص في العلم والعمل، ونسألك بعزتك وجلالك أن تجعل هذا العلم حجةً لنا لا حجةً علينا. وآخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه، وآله وصحبه أجمعين.
![]()
آخر تعديل همسات مسلمة يوم 10-26-2011 في 10:20 PM.
|
|
![]() |
3 أعضاء قالوا شكراً لـ ILL على المشاركة المفيدة: |
![]() |
رقم المشاركة : 3 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
شكراً: 9,781
تم شكره 5,490 مرة في 2,349 مشاركة
|
![]() جزاك الله خير أخي على هذا الموضوع المهم و القيم بارك الله فيك وزادك علما ونورا وهدى وتقى ونفع بك الإسلام والمسلمين
|
|
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |
![]() ![]()
شكراً: 0
تم شكره 585 مرة في 210 مشاركة
|
![]()
وجزاك أختي الكريمة آمين وإياك إن شاء الله
|
|
|
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|